الأربعاء، 14 يوليو 2010

كابوس قتل رامي الشمالي،

لينا أبو بكر

كان خبر مقتل رامي الشمالي حسب الشريط الإخباري على 'إل بي سي' مثيرا للشبهات، فاختيار كلمة مقتل للتعبير عن وصف الحادثة يأخذك إلى تفسيرات عدة لا تكتفي بالخبر مجردا، بل تنقلك إلى موقع التقصي والبحث في تفاصيله ومسبباته، لأن الإيحاء بوقوع جريمة مدبرة له دوافعه التي ربما جعلت إحدى القنوات اللبنانية تسعى لالتقاط صور سرية عن ملفات التحقيق في مقر الشرطة المصرية، من أجل التأكد من أسباب هذا الحادث الذي نجا منه صديق شمالي بأعجوبة، ولست تدري أيها المشاهد الحزين إن كان هذا جزءا من مؤامرة إعلامية تسعى لإثارة الفرقعات المشبوهة باختلاق شكوك لا أساس لها من الصحة، لمجرد البحث عن فضيحة تتاجر بها الأجهزة الإعلامية على حساب الحقيقة، أو ربما عليك أن تقول على حساب الكابوس!
رامي الشمالي كما بدا في اللقطات المختارة من أرشيف الأكاديمي وادعا وصادقا، وقلق في عينيه يدلك على موت وشيك ونهاية أليمة، خاصة وانت تصغي لروايته لها بحذافيرها، لم أر إنسانا مطلعا على مصيره ماثلا أمام عينيه كرامي ولا حتى أصحاب الرؤيا، مما يجعلك تذهب طواعية مع الذاهبين إلى نظرية المؤامرة، لأن أصل الجريمة كابوس تم تحويله لواقع مطابق تماما، فالسيارة ـ كما في الكابوس - اصطدمت ثم انتقلت الى الجهة المعاكسة لتلتقي مع العتمة 'الميتة الاخيرة' كما حصل تماما في الواقعة؟ كيف؟ إما ان هنالك من ترصد للواقع حتى يبرر الجريمة بالكابوس؟ وإما أن يكون قدر الله قد أنزله بصبي لم يملك من أمره شيئا سوى موته، وفي الحالتين لن تستطيع الفرار من مساءلة ربك: 'لماذا تخلقه ياربي ما دام يموت الإنسان'؟.
قلبي على أخوته وعلى أمه، أمام عين الكاميرا تتأمل وجهه النائم لا تريد أن تفارقه، تحاكيه فلا يستجيب، تتفقد أصحابه حولها ربما تعثر عليه بينهم فلا تجد سوى احزانهم تحيط بها، أية مشاعر إنسانية يمكن أن تخلقها هذه اللحظة أمام الكاميرا لتعزز إيمانك بأن الكابوس أكثر رحمة من الموت أو ربما من الجريمة، فتثوب إلى رشدك كي تتأمل تصريحا للشرطة المصرية حول تهور رامي في القيادة، حيث انفلت المقود من يديه كما صرحت 'العربية'، كيف نصدق هذا ونحن استمعنا إلى قلق رامي على عائلته التي يعيلها بعد رحيل أبيه؟ إن الناس والصحافة تتحيز لكابوس الأرشيف الذي عرض على 'العربية' و 'ال بي سي' و'او تي في' و'روتانا' وفيه يؤكد رامي أنه ليس السائق، والناس تأخذ بالكابوس كدليل أول، وشهادة رامي في كابوس الموت هي الشهادة الرئيسية في موقع الحادث، فماذا نفعل بالشرطة التي ما إن تهم بتبرير فعلة ما حتى تتهم المفعول به بحيازة مخدرات والناس قد تصدق بعض ما تقول الشرطة وكل ما يقول رامي!
رامي راويا لموته هو أول شاهد عيان عليه، فما الذي تحس به أم رامي وهي ترى موت ابنها مرتين؟ مرة في مناماته المزعجة والسرية التي باح بها لأول مرة قبل يوم من خروجه من الأكاديمية، ومرة في خبر إعلامي يحمل لها نعش الحياة الذي كبت إلى جانبه تحضنه وتلمسه بيدين تلوحان لحبيب هو فلذة الكبد يروح في سبات عميق كأنه الموت!
بدا الشارع المصري مذهولا للحادثة ومواسيا ورائعا وإنسانيا كعادته بينما رفضت الشرطة حتى هذه اللحظة إعطاء المزيد من التصريحات والتفاصيل حول الحادث المفجع؟ فماذا ينتظر المشاهد؟ ربما علينا أن نعقد الأمل على الإعلام لكشف حقائق قد تدحض الكابوس كجريمة مدبرة أو تثبته، ولكن ما نتمناه حقا هو ألا يتعامل الإعلام مع موت رامي كصفقة، وأن يرحم أهله وذويه وروحه، لأن الصورة هي التي ستبقى لأم مفجوعة بالذاكرة المؤرشفة والناس لا تصدق الموت ولكنها تصدق الكابوس، فأية مفارقة عزرائيلية تحول الكاميرا إلى شاهد عيان وحيد بعد نفاد الأدلة!

ليست هناك تعليقات: