شعرنا جميعاً بالحزن والأسى ودمعت أعين بعضنا وانخرط آخرون في الدعاء بالرحمة والمغفرة
عندما بلغنا نبأ وفاة النجم الشاب رامي شمالي في الحادث العنيف الذي تعرضت له سيارته
في القاهرة منذ عدة أيام بينما كان بصحبة رفيقه في الأكاديمية المطرب محمود شكري
وهذا حق الإنسانية علينا واستجابة بشرية طبيعية في مواجهة هذه المواقف المؤلمة
التي يمكن لأي منا أن يتعرّض لها غداً أو بعد غدٍ
حتى إن لم يكن بعضنا قد سمع اسم رامي شمالي من قبل أو يعلم عنه أي شيء!
لكن أليس من حق الإنسانية علينا أيضاً أن نذكر القتلى والمصابين الآخرين في الحادث؟!
أليسوا بشراً هم أيضا، كانت لهم أحلام وخطط مستقبلية وعائلات انهارت وتحطمت فجأة
دون أن يكون لهم أي ذنب في ذلك؟!
وهل في الحزن ولوعة القلب ودمع العين مشهور ومغمور؟!
فلماذا ركّزت جميع الصحف ووسائل الإعلام والمواقع الإلكترونية على النجمين الشابين
وأغفلت تماماً ذكر أي شيء عن باقي الضحايا؟!
وهل أصبح الدعاء بالرحمة هو الآخر من الهبات المقصورة على المشهورين ونجوم الصف الأول وحدهم؟!!
واقتصر ما عرفناه عن باقي الضحايا على رقم سيارتهم
واسم قائدها "كمال سعد زغلول، 62 سنة بالمعاش"
وزوجته " راوية محمد عبد الله 60 سنة ربة منزل "
بالإضافة لزوجة نجلها " أمنية صلاح الدين صبري ، 27 سنة ، ربة منزل"
والتي أصيبت بجراح خطيرة !
وبعد ذلك لا حس ولا خبر !!
فأين دُفن عم كمال سعد وزوجته ؟
من حضر عزاءهما ؟
هل اهتم الكبار والمشاهير بزيارة أسرتهما ، أو الدعاء لهما بالرحمة ؟
وماذا عن حق الورثة في الحصول على تعويض مناسب ؟
وما مصير زوجة الابن الشابة ؟
وكيف حال الابن الذي خسر والده ووالدته في لحظة واحدة
ولا يزال يعيش تحت وطأة تهديد خسارة زوجته أيضا في أي لحظة ؟!!
ولماذا حتى في الموت تسقط أقنعتنا الزائفة إلى هذه الدرجة ونطبق سياسة الكيل بمكيالين
على الرغم من صراخنا وعويلنا طوال الوقت من مظالمها وآثارها المدمرة على حياتنا ؟!
تكن للحق ، لم تكن هذه أول مرة عبر التاريخ الطويل للمسيرة الإنسانية التي تغطي وفاة نجم
على حدث آخر لا يقل عن وفاة النجم خطورة ، سواء في الغرب أو الشرق!
في يوم اغتيال الرئيس الأمريكي " جون كيندي "، توفي الأديب الإنجليزي العالمي " ألدوس هكسلي "
فلم يعرف أحد نبأ وفاته إلا بعد شهور طويلة ، ولم يمش في جنازته إلا أقرباؤه !
وفي الشرق، يوم أن مات عميد الأدب العربي " طه حسين "، انتقل إلى رحمة الله " د/ حسن عثمان"
أستاذ الجغرافيا الذي ترجم (الكوميديا الإلهية) للشاعر دانتي الليجيري عن الإيطالية
فلم يحفل أحد بالسير في جنازته !
ومات الأديب المبدع " مصطفى لطفي المنفلوطي " في نفس اليوم الذي أطلق فيه الرصاص على الزعيم المصري " سعد زغلول "
فلم يمش في جنازته إلا خمسة أو ستة أشخاص
وهو ما لم يفت أمير الشعراء أحمد شوقي، فكتب يرثي المنفلوطي العظيم
اخترت يومَ الهولِ يومَ وداعِ / ونعاك في عصف الرياح الناعي
من مات في فزع القيامة / لم يجد قدماً تشيّع أو حفاوة ساعي
وفي رواية " كل شيء هادئ في الميدان الغربي " رائعة المبدع الألماني " إريك ماريا ريمارك "
التي ينقل لنا من خلالها أجواء الحرب العالمية الأولى الدامية ويصور لنا بشاعتها
التي سوف تظل نقطة سوداء في جبين الإنسانية كلها
نلتقي مع " بول " الجندي الشريف الذي يحدثنا عن حياة المعسكرات القاسية
ولحظات الخطر والنوم في أحضان الموت ويحدثنا عن الكوابيس المرعبة
ولحظات اليقظة الحادة المرهفة في انتظار المجهول
ويظل يتدفق بالحياة طوال الرواية.
حتى تأتي الخاتمة القاسية ، عندما تضع الحرب أوزارها بعد أن ثاب الكبار لرشدهم بعد طول جنون
ويسقط البطل قتيلاً فلا يذكر خبر استشهاده كي لا يعكِّر صفو الهدنة
ويكتب في التقرير اليومي أن
" كل شيء هادئ في الميدان الغربي " !!!
ليرحم الله عم كمال سعد زغلول ، وزوجته السيدة راوية محمد عبد الله ، ورامي شمالي
ويشفي الزوجة الشابة أمنية صلاح الدين صبري ، ومحمود شكري،
ويلهم أهلهم الصبر والسلوان
،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق