الخميس، 3 مارس 2011

عمو شفيق بتاع البومبوني

نفس الحالة التي كانت عليها مصر منذ أسبوعين قبل تنحية مبارك عن السلطة تتكرر الآن. إصرار شعبي من ملايين المصريين علي رحيل أحمد شفيق رئيس الوزراء و معه ثلة من رجال مبارك، يقابله إصرار علي الجهة المقابلة من جانب شفيق بالبقاء و التشبث بالكرسي الذي اعتلاه في ظروف درامية صاخبة.

عدنا مرة أخري إلي شعار الجماهير الذي أصرت عليه و لم ترض عن تنفيذه بديلاً: هو يمشي..احنا نمشي. و الكلام هذه المرة عن شفيق و ليس عن مبارك.

المشكلة أن أحداً لا يتعلم و لا يريد أن يفهم. نفس العناد و نفس الرغبة في الكيد و قهر الجماهير و إشعارها بأن القرارات الفوقية هي قضاء و قدر يسقط علي العباد، و رسالة لأهل مصر بألا يأملوا في أن يفرضوا إرادتهم و يحظون بحكام يرضونهم مهما بلغت التضحيات و مهما سالت الدماء.

ما يثير حيرتي أنهم لا يدركون أن الإرادة الشعبية ستفرض نفسها عليهم و علي العفاريت الزرق، و أن شعب مصر لن يقبل أن يكون تراثاُ أو عقاراً و لن يورث بعد اليوم لحالم بسلطة أو طامع في كرسي أو مستهين بحقوق الناس.

هي معركة محسومة و أنا أعرف نتائجها سلفاً، و رغم أنها حارقة للأعصاب و كاوية للمشاعر إلا أن فوائدها كبيرة، لأن ما يأتي بسهولة يضيع بسهولة، و أن ما ياتي بالدم لا يضيع أبداً. و أؤكد أن شعب مصر علي استعداد لتقديم مزيد من الشهداء ما بقي العناد و بقي الإصرار علي التعامل مع الناس كأطفال قصّر لا يعرفون مصلحتهم و عليهم أن يحمدوا ربهم لأنه بعث لهم بمن يخافون عليهم و يختارون نيابة عنهم!.

إن السيد أحمد شفيق و الذين معه من رجال مبارك يقلدون زعيمهم في عناده و يرفضون أن يرحلوا بالذوق مبددين فرصة ذهبية ما زالت متاحة في أن يذهبوا الآن تاركين للناس أثراً طيباً باعتبارهم فهمونا مبكراً و احترموا إرادتنا، و من ثم يحق أن يكون لهم رصيد يستطيعون به أن يعيشوا بيننا بعد ذلك مواطنين عاديين يمكن أن نحييهم إذا التقيناهم في الشارع أو في النادي، و يمكن أن ننسي لهم خدماتهم للدكتاتور المخلوع و نقول عفا الله عما سلف.

إنهم يرفضون هذا السيناريو الكريم و يصرون مثل زعيمهم علي أن يدفعوا بنوافير الدماء الحارة إلي النافوخ الثوري المشتعل و يجعلوا طلبات الناس تتجاوز بكثير مجرد الرحيل الهاديء مأمون العواقب، و لا يدركون أن الناس عندما بدأت التظاهر يوم 25 يناير كانت تريد بعض الإصلاحات السياسية، و لم يكونوا يفكرون في أبعد من ذلك..ما جعل مطالبهم تعلو و ترتفع هو العناد و البلادة و قلة الإكتراث بالمشاعر و التعامل الجلف العنيف. فلماذا بالله عليكم تريدون تكرار السيناريو الذي سيجعل عيشكم بين المصريين في قابل الأيام ضرب من المستحيل؟. لماذا تفعلون هذا بأبنائكم الذين هم مواطنون مصريون مثلنا لهم كل الحق في الحياة الكريمة دون أن يشار إليهم بأنهم أبناء فلان الذي أمات المصريين كمداً بعناده و احتقاره لهم؟. لماذا تجعلون المنفي قدراً مكتوباً عليهم؟.

يبدو أنه "دليل عمل" يمشون عليه جميعاً و لا يفكرون في أن يفاجئونا و يخالفون خطواته مهما تصورنا فيهم من ذكاء و حصافة و قدرة علي رؤية المستقبل القريب و لا نقول البعيد.

إنني حقيقة أشعر بالحزن علي رجل مثل أحمد شفيق كان يمكن في ظروف مختلفة أن يكون سياسياً متميزاً بما يملكه من سمات شخصية كانت تحتاج لمناخ ديموقراطي حتي تقدم للناس شيئاً نافعاً.

المصيبة أن مبارك و هو يستدعي أحمد شفيق لتشكيل الوزارة كان يسدد للرجل ضربة قاضية علي أي مستقبل سياسي يمكن أن يحلم به. والمصيبة الأخري أن التلمذة علي يد شخص مثل مبارك تسحب بالضرورة من الإنسان أجمل ما فيه و تطبع التلاميذ بشيء من روح الأستاذ.. و يا لها من روح!.

من الخير للسيد أحمد شفيق أن يحمل عصاه و يرحل حتي ينسي له شعب مصر أنه قد تهكم علي جراحه النازفة و سخر من دماء شهدائه عندما وعد المضروبين بالرصاص في ميدان التحرير أنه سيحول الميدان إلي هايد بارك من أجلهم و سيقدم لهم البومبوني بنفسه!.

و علي الرغم من أن هذه التصريحات قد تكون حسنة النية إلا أنها جاءت غداة معركة الجحش التي أسفرت عن استشهاد 11 و جرح ألف شاب مصري في عمر الزهور علي يد رجال الزعيم حسني مبارك دون أن يستطيع رئيس الوزراء المسؤول أن يمنعهم من ارتكاب الجريمة أو أن يقبض عليهم بعد ارتكابها!.

ارحل يا سيد شفيق و سنحضر لك نحن البومبوني.

ليست هناك تعليقات: